الرأي

ركن بلال مرميد .. فنانون بدون صوت! 

ركن بلال مرميد .. فنانون بدون صوت! 
الثلاثاء 24 أكتوبر 2023 - 22:20

رباه، في كل البقاع تحرك المثقفون والفنانون، وكانوا أول المسارعين للإفضاء بآرائهم، والتعبير عما يخالجهم من مشاعر وحاسيس بسبب ما يقع من مآس في الوقت الراهن. في كل البقاع، تجد بأن الفنان الحق لا يعيش بمعزل عن جماعته، ويشقى لشقائها، ويسعد لسعادتها، ويعبر عن الأمر.

عندنا يسود الصمت مؤخراً، وبعض المعنيين بهذا الكلام أمطرونا قبل أسابيع بعشرات الفيديوهات، وبمئات الفيديوهات التي تهم قضايا مختلفة منها الكوارث والصناعة والتجارة والفلاحة والفقه والطب والإعلام، وهم الآن في عداد المفقودين. تصلك ردود فعل فنانين عالميين، تجاوزوا بإنسانيتهم الحسابات الضيقة -وهم الذين يملكون الكثير ليخسروه-، وتكلموا ونددوا وانتقدوا وصرخوا وشجبوا، وفي البلاد المغاربية، لم يتحرك أغلبية المثقفين كالعادة، وهم الذين تعثر عليهم في سائر الأيام وهم يجيبون على كل الدعوات، ويعلقون بآرائهم في قضايا تافهة وعابرة. معظم الفنانين بدورهم، تراجعوا للخلف الذي ألفوه موطناً لهم، ولم ينبس أغلبهم ببنت شفة. ينتظرون شيئاً ما، ويترقب كل واحد منهم تحركات زميه وزميلته، وفي أحسن الأحوال يعيد بعضهم نشر مقاطع البكاء والعويل. 
فنانون بدون صوت! 
تكلمت جييليت بينوش، وتيلدا سوينتون، وستيڤ كوغان، وكايت بلانشيت، وخواكين فونيكس، وسوان أرلو ومئات من فنانين آخرين. لا تهمنا تفاصيل تصريحاتهم، لكن أغلبهم نادوا بوقف فوري لما يقع في غزة. نحو خمسين من المشاهير وجهوا رسالة للرئيس الأمريكي للتدخل العاجل، وإيقاف ما يقع في غزة. في فرنسا أيضاً، وقعت ثلاث وتسعون شخصية من عالم الثقافة والفن، من ضمنها آني إرنو الفائزة بنوبة للآداب، عريضة نشرتها وسائل الإعلام هناك، وعنونوها بالنداء من أجل السلام في الشرق الأوسط. في البلاد المغاربية، وقع أغلب المثقفين من زمان عريضة التزام الصمت.. الصمت المطبق. لسخرية القدر، حتى أولئك الجهلة من فئة المؤثرين والمؤثرات سلباً على المجتمع، والذين عثروا على فضاء غير مقنن يربحون من خلاله عشرات الملايين، التزموا الصمت وهم الذين قهرونا في السنتين الأخيرتين بضجيجهم وبصراخهم وبمشاركاتهم غير المبارة في الأفلام والمسلسلات والمونديالات وفي كل أصناف البرامج والمسابقات. تعثر على بعضهم وقد نشروا صوراً جوفاء، بتعليقات مقتضبة وسخيفة. منشوراتهم قلت، وصخبهم بدأ منذ أيام ينطفئ. سيعودون حتماً حين تهدأ الأمور، ليستأنفوا رياضة ركوب الأمواج التي يتقنونها.
فنانون بدون صوت! 
ما يقع حالياً كشف المعدن الحقيقي لأغلب هؤلاء، ومع ذلك ستعثر عليهم بعد حين وهم يواصلون قصفنا بتفاهاتهم، وببكائياتهم، وبتسولهم المفضوح. ما يقع حالياً، يجعلنا فقط نتيقن بأن المشكل لا يكمن في مضمون ما يصرح به الفنان في وقت الشدة، بل بقدرته فقط على الإدلاء برأي كيفما كان. شخصياً، احترمت وأحترم وسأحترم من يفصح عن موقف ولو كان هذا الموقف في آخر المطاف مختلفاً عن الجماعة. أهم ما في الأمر، أن يتم التعبير عن موقف إنساني. افتعال عدم الانتباه، والاختباء وسط آراء الآخرين، هما فقط دليل على أن المثقف والفنان تخليا من زمان عن دورها الأساسي. هو زمن مسخ بامتياز، ولكم ولهم واسع النظر، والسلام. 
المصدر : بلال مرميد
عاجل