تغطية مباشرة

لماذا نحتاج الرقص المعاصر؟

ثقافة
الخميس ٠٧ مارس ٢٠٢٤
09:35
استمع المقال
بلال مرميد - مسؤول القسم الثقافي بميدي1 وميدي1تيفي
استمع المقال

لدينا بعضٌ من فنانين حقيقيين لا ننتبه لهم، ولدينا أيضاً كثيرٌ من أشباه فنانين ينالون فرصهم الكاملة في التطبيل. هو وضعٌ يحتاج جهداً كبيراً ليُصحح ويُقوَّم، ولو قليلاً. نترك أشباه الفنانين ومن يطبلون لهم جانباً، ونذكرهم مرة أخرى بأن الإكثار من التصفيق للأشباه، يجعلهم أكثر قُبحاً، ونعبر للحديث عن الفئة الأولى.

فنانون حقيقيون يعيشون معنا وبيننا، ومن ضمنهم من تعلموا دون أن يتكلموا في الميكرفونات وفي البلاطوهات التلفزية.

في مراكش، يشارك بعضٌ منهم في المهرجان الدولي للرقص المعاصر. شبان مغاربة يتنفسون الفن، ويقدمون الفن، لكن أغلب وسائل الإعلام لا تنتبه لهم، لأن الرقص عندنا لا يعني شيئاً لفئات واسعة من الجمهور، وهو موضوع آخر نتحمل فيه جميعاً المسؤولية. في مراكش، لديهم مهرجان يبلغ دورته السابعة عشرة، بمعنى أنه اقترب من سن الرشد.

الروحانيات في الرقص المعاصر، هي تيمة هذا العام، وفي تقديم النسخة تعثر على نفس عبارة طويلة: "المهرجان في نسخته الجديدة، يدعو إلى التفكير في موضوع الروحانيات في الرقص بمعناها الواسع، وبأن الرقص عندما يكون مشبعا بالجانب الروحي يصبح بمثابة غوص صوفي فردي أكثر مما هو تعبير جماعي". حين تقدم هذه الجملة للناس، لا يستوعب أغلبهم شيئاً، ويركضون فيما بعد ليتابعوا أعمالاً فنية تافهة، وكائنات تعتدي على الفن بشعبويتها التي تحقق أرقاماً كبيرة، نُقذف بها كلما طالبنا بالجودة.

لماذا لا نشرح للمتلقي ما يحدث في موعد مثل المهرجان الدولي للرقص المعاصر؟ لا أعرف، ولا يهمني حالياً أن أعرف. لدي فقط رغبة في أن أكتب اليوم عن ضرورة تبسيط الفهم للخلق، وضرورة تقريب مفهوم الجسد في الفضاء الثقافي المغربي لأذهانهم. أن نتكلم ونفكر رقصاً، بدون لجوء للكلام الكثير الذي نجتره ويجتره القائمون على الفن عندنا في عديد من خطبهم.

حضرت عرضاً لأوليڤيي ديبوا بعنوان "خروج نحو النور"، ومنذ البدء يحدث ذلك التفاعل العفوي مع جمهور باحث عن الفهم. الجمهور عندنا في المغرب حين يفهم، يعبر للتفاعل، وبعد مرحلة التفاعل، يحب الفن. حين يحب، فهو يحب للأبد..
في المغرب، لا نحتاج فقط من يمثل ببشاعة، ومن يخرج عن سطر الإخراج، من يزعج حين يغني.

في المغرب، لدينا استخقاقات كبيرةٌ قادمة، ونحتاج جيلاً جديدا من كوريغرافيين يرافقون كل العروض الفنية التي يجب أن نكون جاهزين لتقديمها حين سنستضيف ملايين الناس من مختلف البلدان في كأس إفريقيا وبالخصوص في المونديال الذي ننام ليلاً، ونحلم بأن نكون مقنعين في تنظيمه بعد ستة أعوام.

نحتاج لأن نُظهر مرة أخرى للعالم بأننا بلد له حضارة ثرية، وبالخصوص بأننا نتواجد على أرض شكلت منذ القدم نموذجاً للتعايش وتقارب الحضارات والثقافات والأديان. تعبنا حقا من تلك المهرجانات التي يشبه بعضها البعض في استنزاف المال العام، دون تقديم إضافة.

يطلبون مني أن لا أكثر من الانتقاد، وأن أعطي بعضاً من اقتراحات الحلول. منذ مدة غير قصيرة وعد وزير القطاع بأن عدد المهرجانات التي تنال الدعم باسم السينما، والتي لا تفيد السينما والسينمائيين في شيء سيقل. لحد الآن لازالت هذه المواعيد تتناسل، في حين أن أصنافاً فنية أخرى لا تتوفر على مهرجان حقيقي.
ثم أصل للأهم.. في مراكش، هناك مهرجان دولي للرقص المعاصر، أسسه ويُديره فنياً المبدع والكوريغراف توفيق إزديو مرفوقاً بمجتهدين كُثر. له ولكل الفريق التحية، وأختم بمقولة لجلال الدين الرومي: "هناك طرق عديدة تؤدّي إلى الله، و قد اخترت طريق الرقّص و الموسيقى". هل هناك ما هو أوضحُ من هذا الكلام؟